الطريق غير الممهدة لإنشاء شركة صخر
أدرك الشارخ وقتها أن هناك متطلبات عديدة يحتاجها الأمر لإنتاج تقنية جديدة تمكن المستخدم العربي من استخدام الحاسب الآلي بلغته الأصلية. أول وأصعب تلك التحديات كان تعريف الحاسب الآلي بالحركات التي تختص بها اللغة العربية، وهي: الفتحة والضمة والكسرة والسكون والمد. بدأت في هذا الوقت، الكثير من النقاشات بين الشارخ وأصدقائه من المهتمين بالعلوم والتقنية، وغيرهم من المتخصصين ورواد الأعمال، لتتبلور حينها فكرة الشركة التي ستُمكن فيما بعد المجتمعات العربية جميعًا من استخدام الحاسب الآلي باللغة العربية.
لم يكن التنفيذ المنتظر لهذه الفكرة، وتحويلها إلى شركة حقيقية أمرًا ممهدًا وبسيطًا، وكان الشارخ يدرك هذه الحقيقة جيدًا. يبرر الشارخ هذا الأمر بثلاثة أشياء كان يعتقد بها أثناء مرحلة إنشائه لشركته الجديدة. يحكي الشارخ هذه الأسباب في لقائه في برنامج بالمختصر فيقول: «كنت أدرك آنذاك ثلاثة أشياء: أولًا، الجامعات العربية لن تعمل على تطويع الكمبيوتر للغة العربية، وأن الأثرياء العرب لن يستثمروا في هذا المجال لأنه جديد، وأن الشركات الدولية لن تعمل على هذا المشروع لأن السوق العربية بالنسبة لهم صغيرة مقارنة بالصين مثلًا. هذه الأسباب جعلتني أعتقد أن أحدًا يجب أن يخوض هذا المضمار».
|
تعاونت صخر مع مايكروسوفت في إنشاء نظام التشغيل الخاص بها. المصدر
|
بالنسبة للاسم الذي اختاره لشركته، يروي الشارخ استعانته بشركة يابانية متخصصة في اختيار أسماء الشركات الكبرى (Branding)، وقد نصحته الشركة بمجموعة من المعايير منها أن يكون الاسم مكونًا من عدد قليل من الحروف مثل أن يكون ثلاثة أحرف، وهو نفس عدد حروف النظام الذي يعتمد عليه الحاسوب الخاص بالشركة وهو نظام MSX. كذلك اقترحت الشركة أن يبتعد عن الأسماء القديمة وغير الشائعة والمشينة، وأن يكون الاسم متصل (أن لا يكون فيه حرف «و» أو «د») فتم عمل قائمة من الأسماء، وتم اختيار صخر منها، وهو اسم يدل على القوة، كذلك طبقًا لخلفيته الأدبية يذكر الشارخ قول الخنساء: «وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار» الذي كان له دور كبير في حسم اختياره للاسم.
ماذا قدم مشروع صخر؟
من بين أبرز ما قدمته شركة صخر كان تطويرها لجيل جديد من تقنيات المعالجة الطبيعية للغة العربية (NLP) وهي التقنية المعنية بالتفاعلات بين الحاسوب واللغات الطبيعية للبشر، وقد استعانت الشركة بهذه التقنية في عملية تعريب لغات الحاسوب؛ بجعل اللغة العربية من بين اللغات التي يستطيع الحاسب الآلي معالجتها. كذلك قدمت الشركة مجموعة من البرامج التي اشتهرت بشكل كبير في ثمانينيات القرن الماضي، منها برنامج القرآن وترجمة الألعاب وبرنامج جغرافيا الوطن العربي، وبرامج تعليم الدين والحج والعمرة، وبرنامج التاريخ العربي.
كان محرك الترجمة الذي طورته صخر كذلك من أهم الإنجازات العربية في مجال تقنية الحاسوب؛ فقد ساهم هذا المحرك بشكل كبير في تطوير أهم تطبيقات المعالجة الطبيعية للغة العربية.
يحكي الشارخ كذلك قصة لقائه مع بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، في مدينة طوكيو اليابانية، للاتفاق حول استخدام الشركة لنظام تشغيل MSX الذي كانت مايكروسوفت صاحبة حقوقه الحصرية في كل دول العالم، وكان السبب وراء ذلك اللقاء هو رغبة الشركة في إنتاج برامج للمستخدم العربي، ولم يكن هناك أنظمة تسمح بتطوير هذا النوع من البرامج، وتتمتع بالحماية الكافية، فكان الاقتراح هو استخدام النظام الخاص بشركة مايكروسوفت، ومن هنا كانت فكرة اللقاء الذي حدث بعدها لتحصل الشركة على حقوق استخدام نظام MSX في إصدار برامج الشركة.
كذلك، طورت الشركة المحلل الصرفي عام 1982 والمدقق الإملائي عام 1990، ثم برنامج التعرف الضوئي على الحروف (OCR) عام 1994، والتشكيل الآلي عام 1996، وأيضًا النطق الآلي والقراءة الآلية للنصوص بالعربية الفصحى عام 1998، والترجمة الخاصة بالتخاطب الآلي (Person To Person Translation) عام 2010. في ذلك الوقت، بدأت الشركة تطوير برامج جديدة مثل المُشّكل الآلي الذي نراه اليوم، والمعجم الحديث الذي استمر تطويره لفترة استمرت 10 سنوات.
البيروقراطية العربية.. نهاية متوقعة لحلم واعد
يؤمن الشارخ أن البيروقراطية العربية متمثلة في الحكومات العربية قد ساهمت بشكل رئيس في توقف المشروع الذي كان من الممكن أن يكون رهان العرب وتحديهم للشركات العالمية في مجال التكنولوجيا وتقنية الحاسوب. يقول الشارخ في أحد لقاءاته المتلفزة: «صخر كان متقدمًا زمنيًا عن حاجة المجتمعات العربية. ما كان الناس يقبلون أن تكون هناك تقنية عربية، ومثال ذلك هو السؤال الذي كان يسأله الكثيرون حول حقيقة انتمائنا لشركة يابانية أم أننا شركة عربية بالأساس. كان الجميع يقابلوننا بالتشكك، فالعقلية البيروقراطية لها طريقة معينة للتفكير. لا ينظرون كما تفكر أنت بأن هذا في مصلحة البلد، فتعريفهم لمصلحة البلاد مختلف. هو يفضل شراء خدمات شركة معروفة مثل IBM، لأنها ماركة دولية، لكن عندما تقول له صخر شركة عربية كويتية، فيعتقد أنها لا يمكن أن تكون بنفس الجودة. ذات مرة، أحد المسئولين الكبار في إحدى الدول العربية قال لي ما يلي: هل ما لا نستطيع نحن أن نفعله، تستطيع أنت أن تفعله؟»